يمكن تتبع ظهور علم النفس التربوي في الفترة الواقعة ما بين (1800- 1850) كنتيجة لتطور علم النفس العام ولمساهمات واكتشافات جاءت في ميادين أخرى كعلم الأحياء والطب والفلك والرياضيات والفيزياء، وقد لعبت المذاهب الفلسفية المختلفة دورًا بارزًا في نشوء هذا الحقل وتطوره، إضافة إلى ما قدمته مدارس علم النفس المختلفة كالسلوكية والمعرفية والإنسانية والتحليلية من مبادئ وقوانين تتعلق بالوظائف النفسية والسلوك وعملية التعلم.
وفي بداية القرن العشرين ظهرت الدوريات المختصة بنشر الأبحاث في مجال علم النفس التربوي، وكان من بين هذه الدويات مجلة علم النفس التربوي (Journal of Educational Psychology)، إذ صدر العدد الأول منها عام 1910م.
وفي العشرينات والثلاثينات من ذلك القرن، أخذ علم النفس التربوي يكافح ليصبح حقلًا مستقلًا عن علم النفس والتربية من خلال إنشاء الأقسام المستقلة في العديد من الجامعات.
تعريف علم النفس التربوي
تم تحديد ثلاث وجهات نظر حول تعريف علم النفس التربوي، وهي:
- وجهة النظر الأولى: تنظر إليه على أنه علم نفس التربية والدراسة العلمية لعلم النفس في مجال التربية؛ أي وضع المبادئ والمفاهيم والنظريات التي تحكم سلوك المتعلم في مواقف التعلم والتعليم.
- وجهة النظر الثانية: وتنظر إليه على أنه فرع تطبيقي من فروع علم النفس العام يوظف المبادئ والمفاهيم والنظريات النفسية على الممارسة التربوية داخل الغرفة الصفية.
- وجهة النظر الثالثة: تنظر إليه على أنه عملية التقويم المنظمة لعمليتي التعلم والتعليم.
ويُعرف علم النفس التربوي بأنه العلم الذي يجب أن يُعنى بالدراسة النفسية للمشكلات التربوية المتعددة، والعمل على حلها من خلال توفير المبادئ والمفاهيم والأساليب والنماذج المتعددة.
ويمكن تعريف علم النفس التربوي على أنه ذلك العلم الذي يُعنى بدراسة السلوك الإنساني في مواقف التعلم والتعليم من خلال التزويد بالمبادئ والمفاهيم والمناهج والأساليب النظرية التي تمكن من حدوث عمليتي التعلم والتعليم لدى الأفراد، وتساهم في التعرف إلى المشكلات التربوية والعمل على حلها والتخلص منها.
أهداف علم النفس التربوي
يسعى علم النفس التربوي للتوفيق بين النظريات النفسية والتطبيقات التربوي من خلال تحقيق الهدفين الآتيين:
- توليد المعرفة النظرية حول السلوك الإنساني في مواقف التعلم والتعليم من خلال الزويد بالمبادئ والمفاهيم والنظريات النفسية التي تعمل على فهم وتفسير السلوك وضبطه وتوجيه.
- وضع هذه المعرفة النظرية في إطار عملي تطبيقي يمكن القائمين على العملية التربوية من استخدامها في مواقف التعلم والتعليم الصفي بشكل يسهم في تحقيق التعلم الفعال لدى المتعلمين.
مواضيع علم النفس التربوي
أظهرت نتائج العديد من الدراسات أن اهتمامات المتخصصين تناولت مواضيع متعددة:
- التعلم.
- التدريس والنمو.
- الدافعية.
- القدرات العقلية والفروق الفردية.
- السلوك الاجتماعي.
- الشخصية.
- القياس والتقويم ، والاختبارات النفسية والتحصيلية.
- الإحصاء ومناهج البحث.
اتجاهات علم النفس التربوي
تعددت الاتجاهات التي اهتمت بدراسة علم النفس التربوي؛ تبعًا لتنوع وتباين وجهات نظر علماء النفس، وفيما يلي أهم الاتجاهات المفسرة لعلم النفس التربوي:
الاتجاه السلوكي:
اهتم هذا الاتجاه بدراسة السلوك القابل للملاحظة والقياس، وأكد على الاستجابات السلوكية المحددة بمثيرات بيئية، وأفرز مجموعة من المبادئ السلوكية التي استندت إليها مجموعة من الاستراتيجيات التعليمية التعلمية، والاستراتيجيات العلاجية، ومن هذه المبادئ:
- علم النفس هو علم السلوك.
- يمكن وصف السلوك وتفسيره؛ استنادًا إلى المؤثرات الخارجية.
- السلوك محكوم بنتائجه.
- التعزيز يقوي الرابطة ما بين المثير والاستجابة.
ونتجت عن هذا الاتجاه مجموعة من التطبيقات التربوية، منها:
- التعزيز بأنواعه، سواء التعزيز الإيجابي أو السلبي، والتعزيز الرمزي، والتعزيز الثابت، والمتقطع، والنسبي.
- تشكيل السلوك، وتعديل السلوك.
- التعلم الإتقاني.
الاتجاه السيكودينامي:
ويُعرف أيضا باتجاه التحليل النفسي، ويعد فرويد (Freud) الأب المؤسس لهذا الاتجاه، وبرز هذا الاتجاه إثر نشر فرويد كتابه المعنون بتفسير الأحلام عام (1900م)؛ إذ لقي هذا الكتاب قبولًا شعبيًا واسعًا.
وبرزت اهتمامات خاصة لهذا الاتجاه تمحورت في جلها في دراسة العمليات الشعورية، والهو، والأنا، والأنا الأعلى، والحيل الدفاعية اللاشعورية (الكبت، والإسقاط، والتبرير، والنكوص) والطاقة الجنسية، والنمو النفسي والجنسي، والغريزة الجنسية، وغريزة الحياة والموت.
وكان من ثمار هذا الاتجاه تركيزه على التطبيقات العلاجية للسلوك أكثر من تركيزه البحث التجريبي؛ وبالتالي تصعب التحقق من نظرياته بطريقة تجريبية.
ومن أعلام هذا الاتجاه كارل يونغ (Jung) صاحب فكرة اللاشعور الجمعي في مقابل اللاشعور الشخصي الذي طرحه فرويد.
وقد تم التركيز على المجالات الاجتماعية للشخصية والتمثيلات المعرفية، والقلق الناتج عن التفاعلات الاجتماعية، وشخصية الفرد توالي تشكيلها في مرحلتي المراهقة والرشد نتيجة التفاعلات الاجتماعية.
الاتجاه المعرفي
وفق هذا الاتجاه فإن الدماغ يستضيف العقل الذي يقوم بالعمليات المعرفية التي تسمح للفرد أن يتذكر، ويفكر ويتخذ القرارات، ويحل المشكلات، ويبدع، وعندما يتمكن الفرد من التخطيط لهذه العمليات ومن ثم ضبطها ويقوم بتقويمها فهو عندئذ قادر على ممارسة التفكير ما وراء المعرفي.
وترتد جذور هذا الاتجاه إلى علماء الجشطلت الذين ركزوا على الاستبصار (إدراك العلاقات الرابطة بين عناصر الموقف المشكل).
الاتجاه الإنساني
يرى أنصار هذا الاتجاه أن الأفراد قادرون على ضبط حياتهم وليسوا عبيدًا للظروف البيئية، بل إنهم قادرون على العيش وفقًا لقيمهم الراهنة من مثل قيمة الإيثار والحرية والإرادة.
ويمجد هذا الاتجاه الفرد ذو الطبيعة الخيرة، ومن أنصاره كارل روجز (Rogers) الذي طور فكرة العلاج المتمركز حول العميل إلى مساعدة الأفراد على استبصار مشاعرهم حول من يكونون.
فيما يعتقد أبرهام ماسلو (Maslow) بوجود هرمية للحاجات الإنسانية تسعى العضوية إلى العمل على إشباعها؛ بغية تحقيق النمو المتكامل للعضوية.
مناهج البحث في علم النفس التربوي
مناهج البحث العلمي المتبعة في علم النفس التربوي تختلف باختلاف أهداف البحث العلمي، وفيما يلي عرض للمناهج المختلفة التي يستخدمها علم النفس التربوي في دراسة الظواهر النفسية والسلوكية المختلفة.
- أولًا: منهج الدراسات الوصفية
يقوم هذا المنهج على دراسة الظاهرة كما تحدث في الواقع دون أية محاولة من قبل الباحث في التاثير في أسباب وعوامل هذه الظاهرة، ويسعى الباحث في مثل هذا النوع من الدراسات إلى تقديم وصف كمي أو كيفي عن المظاهر المدروسة والذي من شأنه الإسهام في اتخاذ القرارات المناسبة حيالها.
- ثانيًا: منهج الدراسات الارتباطية
يقوم هذا المنهج على دراسة العلاقة بين ظاهرة ما وظاهرة أخرى أو بين متغير ومتغير آخر بدلالة إحصائية، ويشير المتغير إلى الخاصية التي تتواجد بنسب مختلفة عند أفراد المجتمع الواحد كالدافعية والتحصيل والذكاء...، وتتم دراسة هذه العلاقة من خلال حساب معامل الارتباط، إذ أنه يمثل قيمة إحصائية تتراوح بين (-1 ، +1)، وقد تكون الإشارة (+) موجبة أو (-) سالبة، وقد يأخذ معامل الارتباط أية قيمة ضمن هذا المدى.
- ثالثًا: منهج الدراسات التجريبية
يستند هذا المنهج إلى إخضاع الظاهرة موضع الاهتمام إلى مبدأ التجريب للتأكد من أسبابها والعوامل المؤثرة فيها، وتسمى الظاهرة موضوع الدراسة بالمتغير التابع، إذ أن قيمة هذا المتغير تتأثر بما يجريه الباحث من تغييرات في المتغير المستقل، ويمثل المتغير المستقل العامل الذي يختاره الباحث بحيث يتحكم في قيمته ومستوياته لتحديد أثره في المتغير التابع أو الظاهرة موضع البحث.
المرجع
عماد عبدالرحيم الزغول (2017). مبادئ علم النفس التربوي. الطبعة الثامنة، العين- الإمارات العربية المتحدة: دار الكتاب الجامعي.