التوحد اضطراب نمائي شامل يؤثر على الفرد في الجوانب الاجتماعية، واللغوية، والسلوكية في مرحلة الطفولة.
وهو اضطراب معقد ويكتنفه الكثير من الغموض فيما يتعلق بأعراضه ودلالاته وتشخيصه وتداخله مع الاضطرابات والإعاقات الاخرى الأمر الذي جعل بعض الباحثين يطلقون عليه " الإعاقة الغامضة".
تعريف التوحد
هناك الكثير من التعريفات التي قدمت للتوحد، إذ عرفت الجمعية الوطنية الأمريكية للأطفال التوحيدين (National Society of Autistic Children (NSACL)) التوحد بأنه: اضطراب أو متلازمة تعرف سلوكيًا وأن المظاهر الأساسية يجب أن تظهر قبل أن يصل الطفل إلى 30 شهرًا من العمر، ويتضمن اضطرابًا في سرعة أو تتابع النمو واضطرابًا في الاستجابات الحسية للمثيرات واضطرابًا في الكلام واللغة والسعة المعرفية، واضطرابًا في التعلق والانتماء للناس والأحداث والموضوعات.
أسباب التوحد
يوجد العديد من النظريات والفرضيات التي تفسر حدوث التوحد، ويمكن ذكرها كما يلي:
- النظريات البيولوجية: وتفسر هذه النظريات حدوث التوحد بأنه راجع إلى تلف في الدماغ يصيب الطفل، أو نقص أو عدم اكتمال نمو الخلايا العصبية الدماغية للطفل التوحدي، وهذا يفسر الأمراض العصبية والإعاقات العقلية والصرع وغيرها من الأمراض التي ترافق اضطراب التوحد.
- الفرضيات الوراثية والجنية: وتفترض أن عنصر الوراثة كسبب يفسر اضطراب التوحد، وهذا يفسر إصابة أخوة الأطفال التوحديين بالاضطراب نفسه، أي إصابة أقاربهم بعدد من الإعاقات النمائية المختلفة.
كما يشير بعض الباحثين إلى أن الخلل في الكروموسومات والجينات في مرحلة مبكرة من عمر الجنين قد يؤدي إلى الإصابة بالتوحد، إذ أن هناك الكثير من الاضطرابات الجنية التي قد تصاحب التوحد.
- الفرضيات البيوكيميائية: وتفترض حدوث خلل من بعض النواقل العصبية مثل السيروتونين (Serotonin) والدوبامين (Dopamine) والببتيدات العصبية (Neuropeptide) حيث أن الخلل البيوكيميائي في هذه النواقل من شأنه أن يؤدي إلى آثار سلبية في المزاج والذاكرة، وافراز الهرمونات وتنظيم حرارة الجسم، وإدراك الألم.
- الفرضيات الأيضية: وتشير هذه الفرضيات إلى عدم مقدرة الأطفال التوحديين على هضم البروتينات وخصوصًا بروتين الجلوتين (Gluten) الموجود في القمح والشعير ومشتقاتهما، وهو الذي يعطي القمح اللزوجة والمرونة أثناء العجين، وبروتين الكازين (Casien) الموجود في الحليب هو سبب أعراض التوحد، وهذا يفسر استفراغ الطفل المستمر للحليب، والأكزما الموجود خلف ركبته، والإمساك أو الأسهال واضطرابات التنفس، ومن مظاهر اضطراب الهضم حساسية الجسم الزائدة لبعض الخمائر والبكتيريا الموجودة في المعدة والأمعاء.
- فرضية الفيروسات والتطعيم: يرى الباحثون الذين يتبنون هذه الفرضية أن أسباب اضطراب التوحد تعود إلى الأثر السلبي الذي تحدثه بعض الفيروسات لدماغ الطفل في مرحلة الحمل أو الطفولة المبكرة.
كما يشير البعض إلى أن التطعيم قد يؤدي إلى الأعراض التوحدية بسبب فشل جهاز الطفل المناعي في انتاج المضادات الكافية للقضاء على فيروسات اللقاح وبقاء الفيروسات في حالة نشطة مما يجعلها قادرة على إحداث تشوهات في الدماغ.
- فرضية التلوث البيئي: يفترض بعض الباحثين أن تعرض الطفل في مراحل نموه الحرجة إلى التلوث البيئي، وما قد يحدثه هذا التلوث من تلف دماغي وتسمم في الدم يؤدي إلى أعراض التوحد، ومن أهم الملوثات التي تحدث تسممًا في جسم الطفل الزئبق، والمادة الحافظة للمطاعيم، والرصاص، وأول أكسيد الكربون (CO).
- نظرية العقل: وتفسر هذه النظرية حدوث اضطراب التوحد بأسباب نفسية معرفية تتعلق بعدم اكتمال نمو الأفكار بشكل يواكب النمو الطبيعي لمختلف النظم المعرفية التي تنمو بشكل طبيعي جنبًا إلى جنب مع هذه الأفكار.
الخصائص المميزة للأطفال التوحديين
تظهر خصائص اضطراب التوحد لدى الطفل التوحدي منذ الأشهر الأولى من العمر، ولكنها تتضح بشكل أكبر بعد سنتين أو ثلاث من العمر، وتستمر إلى مرحلة البلوغ وما بعدها، وفيما يلي الخصائص العامة التي يظهرها الفراد التوحديين:
- الخصائص الاجتماعية: يعاني الأطفال التوحديون من مشكلات في التفاعل الاجتماعي (استقبال المعلومات المعرفية والانفعالية وإيصالها للآخرين من خلال تعبيرات الوجه والجسم ونغمة الكلام)، وتعتبر المشكلات في جوانب التفاعل الاجتماعي من أهم المؤشرات والدلالات التي يتم من خلالها تشخيص التوحد، ومن أهم المظاهر التي تدل على المشكلات في التفاعل لدى الأفراد التوحديين ما يلي:
- عدم التواصل البصري.
- مشكلات في اللعب.
- صعوبة في فهم مشاعر الآخرين.
- عدم القدرة على تكوين صداقات والاحتفاظ بها.
- الخصائص التواصلية: وهي من الدلائل الهامة التي تميز الأطفال التوحدييد، ومن أبرز المشكلات:
- عدم تطور الكلام بشكل كلي والاستعاضة عنه بالإشارة أحيانًا.
- تطور اللغة غير طبيعي واقتصارها على بعض الكلمات النمطية.
- تطور اللغة بشكل طبيعي مع حدوث مشكلات تتعلق بعدم الاستخدام المناسب للغة كالانتقال من موضوع إلى اخر، وعدم القدرة على تفسير نبرات الصوت والتعبيرات الجسمية المصاحبة للغة.
- الخصائص في مجال النشاطات والاهتمامات: يُظهر الأطفال التوحدييم خصائص في مجال النشاطات والاحتمامات ترتبط بهم وتميزهم عن غيرهم من الأطفال الآخرين، ومن أهم هذه الخصائص:
- السلوك الروتيني.
- السلوك النمطي.
- التعلق بأشياء محددة.
- الخصائص المعرفية: يُظهر أكثر من 70% من الأطفال التوحديين قدرات عقلية متدنية تصل أحيانًا إلى حدود الإعاقة العقلية، وتصل في أحيان أخرى إلى الإعاقة العقلية المتوسطة والشديدة، وإن ما نسبته حوالي 10% منهم يظخرون قدرات عقلية مرتفعة في جوانب محددة مثل الذاكرة والحساب، والفن.
كما يُظهر الأطفال التوحديين اضطرابات في الانتباه والنشاط الزائد والتشتت السريع، وفقدان الاهتمام بالمهمات بعد وقت قليل من الانخراط بها.
أم مزاج ومشاعر الأطففال التوحديين فيمكن وصفها بأنها سطحية غير متفاعلة مع الأشخاص أو الأحداث فقد يوصف الطفل التوحدي بالسعادة طالما لبيت احتياجاته فورًا ولكنه بشكل عام يميل إلى سرعة الغضب وعدم السعادة والبكاء لفترات طويلة وثورات الغضب التي عادة ما تكون بسبب تغيير الروتين.
- الخصائص الحسيّة: يبدي الأطفال التوحديين تأخرًا في اكتساب الخبرات الحسية وأشكالًا غير متناسقة من الاستجابات الحسية تتراوح من مستوى النشاط المنخفض إلى المرتفع، ففي مجال المثيرات الصوتية يعاني بعض الأفراد التوحديين من حساسية سمعية فقد يسمع أصواتًا لا يسمعها الآخرون مما قد يسبب له إزعاجًا وارتباكًا، وبالمقابل فإن بعض الأطفال التوحديين لا يستجيبون للأصوات العالية ويبدون وكأنهم صم.